ابي محمد
2008-03-31, 12:21 AM
حرب البسوس التي استعر أوارها بين بكر وتغلب ودامت قرابة أربعين عاماً أشعلها قتل فصيل ناقة، وأطفأها عقر جمل في المويبَّة ( قضة ) إحدى ثنايا جبل عارض اليمامة" طويق" فبقرب هذه الثنية تقع بئر قضة والتي عندها جرى آخر يوم من أيام هذه الحرب الطاحنة، والذي يسمى يوم قضَّة أو قِضَة ويوم تحلاق اللمم ويوم الثَّنيَّة .
يقول الزبيدي في " تاج العروس" مادة ( و ب ب): " الوبُّ: قال ابن الأعرابي: هو التهيؤ للحملة في الحرب".
وقال صاحب " لسان العرب" في مادة " وبب" :
( التهذيب: الوبّ التهيؤ للحملة في الحرب. يقال: هبَّ ووبَّ إذ تهيأ للحملة؛ قال الأزهري: الأصل فيه أبّ فقلبت الهمزة واواً).
ويقول صاحب كتاب الأغاني وهو يتكلم عن أيام حرب البسوس :
يوم القصيبات: قال مقاتل: ثم التقوا يوم بطن السَّرو، وهو يوم القصيبات وربما قيل: يوم القصيبة، وكان لبني تغلب على بكر حتى ظنت بكر أن سيقتلونها.
يوم قضة قال مقاتل : وقتلوا يومئذ همَّام بن مُرَّة. ثم التقوا يوم قضة، وهو يوم التحالق ويوم الثنية، ويوم قِضة، ويوم الفصيل لبكر على تغلب.
قال أبو برزة :
أتبعت تغلب بكراً فقطعوا رملات خزاز والرَّغام ثم مالوا لبطن الحمارة ( تصحيف الحمادة) فوردت بكر قضة فسقت وأسقت ثم صدرت وحلؤوا تغلب ــ منعوها من الماء ــ ونهضوا إلى نجعة يقال لها " مُويبة" لا يجوز فيها إلا بعير بعير؛ فلحق رجل من الأوس بن تغلب بغُليَّم من بني تيم اللات بن ثعلبة يطرد ذوداً له، فطعن في بطنه بالرمح ثم رفعه فقال:
تحدَّ بي أمَّ البوِّ على بوك . فرآه عوف بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة ، فقال : انفذوا جمل أسماء . ابنته ــ فإنه أمضى جمالكم وأجودها منفذاً، فإذا نفذ تبعته النَّعمُ؛ فوثب الجمل في المويبة حتى إذا نهض على يديه وارتفعت رجلاه ضرب عرقوبيه وقطع بطان الظعينة فوقع فسد الثَّنيَّة. ثم
قال عوف :
أنا البُركُ أبرُك حيث أُدرك، فسمي البُرَك.
ووقع الناس إلى الأرض لا يرون مجازاً، وتحلقوا لتعرفهم نساؤهم .. فأسر الحارث بن عباد عدياً وهو المهلهل. بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه، فقال : دلني على المهلهل، قال : ولي دمي؟ قال: ولك دمك؛ قال : ولي ذمتك وذمة أبيك؟ قال : نعم ذلك لك، قال : فأنا مهلهل.
قال : دلني على كفء لبُجير؛ قال : لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان، هذاك علمُه، فجز ناصيته، وقصد امرأ القيس فشد عليه فقتله.." إلى آخر الخبر ( الأغاني 5/36 ـــ42).
فقضة مورد ماء حيث قال: "فوردت بكر قضة فسقت وأسقت " .
وأن اسم هذه " الثنية" هو " المويبَّة" .
ونستفيد من كلام صاحب الأغاني أن هذا اليوم يسمىّ يوم قضَّة أو قِضَة ويوم التحالق ويوم الثَّنيَّة .
يقول البكري عن يوم الثَّنيَّة في كتابه " معجم ما استعجم" في مادة واردات وهو يعدد الحروب التي وقعت بين بكر وتغلب:
" ... والخامس: يوم قِضَة وهو يوم التحالق، و يوم الثَّنيَّة.."
وكما أن هذا اليوم يسمى بيوم الثَّنيَّة كذلك يسمى " يوم التحالق" أو " يوم تحلاق اللمم " لأن فرسان بكر اتفقوا فيما بينهم على حلق رؤوسهم وذلك حتى تعرفهم نساؤهم بعد المعركة إذا حضرن لإسعاف الجريح وسقاء العطشان.
يقول ابن عبد ربه في كتابه " العقد الفريد" :
"يوم قضة: ثم إن مهلهلاً أسرف في القتل ولم يبال بأي قبيلة من قبائل بكر أوقع؛ وكان أكثر بكر قعدت عن نصرة بني شيبان لقتلهم كليب بن وائل، وكان الحارث، ويقال إنه كان ابن أخيه؛ فلما بلغ الحارث قتله قال : نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل! وظن أن المهلهل قد أدرك به ثأر كليب وجعله كفئاً له، فقيل له : إنما قتله بشسع نعل كليب، وذلك أن المهلهل لما قتل بجيراً قال : بؤ بشسع نعل كليب، فغضب الحارث بن عباد، وكان له فرس يقال لها النعامة، فركبها وتولى أمر بكر فقاتل تغلب حتى هرب المهلهل وتفرقت قبائل تغلب فقال في ذلك الحارث بن عباد:
قرّبا مربط النعـــامة مني
لقحت حرب وائل عن حيالي
لم أكن من جناتهـــا علم الله
وإني بحرهـــا اليــــوم صالي
وكان اليوم الذي شهده الحارث بن عباد يوم " قضة" ويوم تحلاق اللمم .. وفيه أسر الحارثُ بن عباد المهلهل وهو لا يعرفه. واسمه عدي بن ربيعة. فقال له : دلني على عدي بن ربيعة وأخلي عنك. فقال له عدي : عليك العهود بذلك إن دللتك عليه؟ قال نعم.
قال : فأنا عدي؛ فجزّ ناصيته وتركه .. ثم إن المهلهل فارق قومه ونزل في جنب وجنب في مجح) إلى آخر ما قال .
وكما يسمى هذا اليوم يوم قضَّة أو قِضَة ؛ يقول ياقوت في معجمه في مادة ( قضَّة):
" ... قال الأزهري القضَّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، الوشنُ:
قال الراجز :
معروفة قِضَّتُها رُعْنُ الهام .
والقِضًَّةُ : الأرض التي ترابها رمل، وجمعها قِضَّات ، وقال الأزهري : قال ابن دريد : قضة موضع معروف كانت فيه وقعة بين بكر وتغلب تسمى يوم قضَّة، بتشديد الضاد".
وقال ياقوت أيضاً في مادة ( قِضَة) : بكسر أوله وتخفيف ثانيه : قال صاحب كتاب العين : القِضة أرض منخفضة ترابها رمل وإلى جانبها متن مرتفع، وجمعها القِضون ، قال أبو منصور: القضة بتخفيف الضاد ليست من حدّ المضاعف ؛ لأن لامه معتلة فهو من باب قضى، وهي شجرة من شجر الحمض معروفة، وقال ابن السكيت : القضة نبات يجمع القضين والقضون ، وإذا جمعته على مثال البُرى قلت القُضى ، وأما الأرض التي ترابها رمل فهي القضَّة بالتشديد ، وجمعها قِضَّات ؛ قال أبو المنذر: قضة بكسر القاف وبعدها ضاد معجمة مخففة ، عقبةٌ بعارض اليمامة ، وعارض : جبل ، وهي من قبل مهب الشمال ، بينها وبين اليمامة وضمر ماء لبني أسد ثلاثة أيام
وأنشد غيره:
قد وقعت في قِضَّة من شــــرج
ثم استقلت مثل شِــــدقِ العلج
يصف دلواً ، والعلج الحمار الوحشي ؛ يعني الدَّلو أنها وقعت في ماء قليل على حصى في بئر فلم تمتلئ ، والماء يتحرك فيها كأنها شدق حمار.. وبقضة كانت وقعة بكر وتغلب العظمى ي مقتل كليب، والجاهلية تسميها حرب البسوس ، وفيه كان يوم التحالق فكانت الدبرة لبكر بن وائل على تغلب فتفرقوا من ذلك اليوم ..." انتهى ما قاله ياقوت باختصار .
ويقول البكري وهو يتكلم في مقدمة كتابه " معجم ما استعجم" عن مقتل " كليب " ، وتفرق ربيعة :
"... فلم تزل الحروب والوقائع تنقلهم من بلد إلى بلد، وتنفيهم من أرض إلى أرض ، وتغلب في كل ذلك ظاهرة على بكر حتى التقوا يوم قِضَةٌ : عقبة في عارض اليمامة ، وعارضُ : جبل ، وقضةُ من اليمامة على ثلاث ليال وذلك يوم التحالق ، فكانت الدائرة لبكر على بني تغلب فتفرقوا على ذلك اليوم وتلك الوقعة ، وتبددوا في البلاد ؛ أعني بن تغلب ، وانتشرت بكر بن وائل وعنزة وضُبيعة باليمامة ...".
وفي مادة " قِضة " قال :
" قِضَةُ" بكسر أوله وتخفيف ثانيه منقول مثل عِدَة . قال ابن شيبة : قضية : عقبة في عارض اليمامة ، وعارضٌ : جبل اليمامة وقضةُ من اليمامة ثلاث ليال وينسب إليها يوم من أيام البسوس ، وهو يوم التحالق " انتهى .
فقد سميَِّ هذا اليوم بيوم قضَّة أو قِضَة نسبة إلى مكان الوقعة .
ويعلق الشيخ حمد الجاسر رحمه الله محددا موقع قضة على قول ( الحازمي) عن قضة في كتاب " الأماكن" ــ ص 779 ــ حيث قال الحازمي :
" وأما الثاني بكسر القاف بعدما ضاد مخففة : ثنية لعارض جبل اليمامة من قبل مهب الشمال بينهما ثلاثة أيام ".
يقول الشيخ حمد الجاسر معلقا :
" ... ويفهم مما ذكر صاحب كتاب " بلاد العرب" ــ 260ــ أن قضة تقع في الشمال الغربي من ثنايا العارض" جبل طويق" الواقعة غرب وادي المجمعة فقال بعد ذكر وادي الكلبي وهو وادي المجمعة: ثم القلعة ثم أشي ثم قضة ثم العكرشة والجرفة إلى آخر ما ذكر، وبعض هذه المواضع لا يزال معروفاً .) انتهى .
ويقول الأستاذ عبد الله بن خميس فقال في مادة " قِضَة" من كتابه " معجم اليمامة " :
(... وهي ثنية في العارض ، واقعة بين سهل" الحمادة " وبين سُدير في بلاد " العدويّة" ولكنها الآن غير معروفة ، والأغلب أنها ثنية" المشقر" والله أعلم. انتهى كلامه.
فاجتهد ابن خميس في تحديد المكان. حيث يقصد بذلك ثنية المشقر " الأديراب الشمالي" ولكن الوصف لا ينطبق على هذا المكان .
حيث أن " قِضَّة" بالتشديد تعني نبات من الحمض تأكله الإبل، و" قِضَة" بالتخفيف فهي الأرض السهلة المنخفضة ترابها رمل وإلى جانبها متن مرتفع .
فالوصف مما سبق ينطبق على الفروثي حاليا حيث أنها تقع في فج غير نافذ من فجاج جبل العارض، ومن صدر منه يريد اعتلاء ظهر الجبل فليس له منفذ إلا ثنية لا تتسع إلا لبعير واحد عن الصعود معها.
ولقد سبق أن كتبت عن الفروثي على هذا الرابط :
رحلتي إلى الفروثي (http://www.albrari.com/vb/showthread.php?t=12211)
أما ثنية " المويبَّة" ( والله أعلم أن اسم المويبَّة أطلق عليها بعدما عقر فيها " البُرَك" جمل ابنته أسماء ليضع من معه أمام الأمر الواقع لخوض المعركة مع تغلب التي تبعتهم إلى هذا المكان ) أو" قضة " ( نسبة إلى الماء الواقع بجوارها )
فهي تقع شرق الفروثي وجنوب الطريق الذي تصعد مع السيارات حاليا فهذه الثنية يبدأ صعودها باتجاه الشرق ثم تنعطف باتجاه الشمال، وعند هذا المنعطف أُحكم بنيانها تسهيلاً لها، أما بعد انعطافها شمالاً فهي تسير مع مستوى أوجده الله في صدر الجبل لا يجد السائر معه مشقة، غير أن عرض الجادة لا يزيد على المتر الواحد في بعض أجزائها، ولأن هذه الثنية هجرت منذ ظهور السيارات وتسهيل الطريق الذي تسلكه فقد خرّبت السيول أجزاء منها .
وأخيرا :
لا أنسى أن أنوه إلى أن من أثبت ماء قضة وهذا الثنية هو الشيخ عبدالله بن محمد الشايع فجزاه الله عنا خير الجزاء .
المراجع
1 . العقد الفريد لابن عبد ربه .
2 . معجم البلدان لياقوت الحموي .
3 . معجم ما أستعجم للبكري .
4 . الأغاني للأصفهاني .
5 . الأماكن ( ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة ) للحازمي وأعده حمد الجاسر .
6 . معجم اليمامة لعبدالله بن خميس .
7 . تاج العروس للزبيدي .
8 . لسان العرب لابن منظور .
9 . وقفة في المويبَّة إحدى ثنايا عارض اليمامة لعبدالله الشايع ( مجلة الفيصل – عدد 332 ) .
إحداثيات الثنية
018 47 25
127 10 45
خريطة تبين موقع الفروثي
http://albrari.org/up/uploads/b56faa2fdd.jpg
الثنية من بعيد
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1450.jpg (http://www.lcoom.com)
أسفل الثنية
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1484.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1481.jpg (http://www.lcoom.com)
بداية الثنية من الأسفل
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1482.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1485.jpg (http://www.lcoom.com)
منعطف الثنية وقد أُحكم بنيانها تسهيلاً لها
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1491.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1492.jpg (http://www.lcoom.com)
هل في هذا المكان من هذه الثنية عقر" عوف بن مالك" جمل ابنته أسماء فسد به الثنية ؟
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1494.jpg (http://www.lcoom.com)
المنعطف من زاوية أخرى
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1477.jpg (http://www.lcoom.com)
يتبع
يقول الزبيدي في " تاج العروس" مادة ( و ب ب): " الوبُّ: قال ابن الأعرابي: هو التهيؤ للحملة في الحرب".
وقال صاحب " لسان العرب" في مادة " وبب" :
( التهذيب: الوبّ التهيؤ للحملة في الحرب. يقال: هبَّ ووبَّ إذ تهيأ للحملة؛ قال الأزهري: الأصل فيه أبّ فقلبت الهمزة واواً).
ويقول صاحب كتاب الأغاني وهو يتكلم عن أيام حرب البسوس :
يوم القصيبات: قال مقاتل: ثم التقوا يوم بطن السَّرو، وهو يوم القصيبات وربما قيل: يوم القصيبة، وكان لبني تغلب على بكر حتى ظنت بكر أن سيقتلونها.
يوم قضة قال مقاتل : وقتلوا يومئذ همَّام بن مُرَّة. ثم التقوا يوم قضة، وهو يوم التحالق ويوم الثنية، ويوم قِضة، ويوم الفصيل لبكر على تغلب.
قال أبو برزة :
أتبعت تغلب بكراً فقطعوا رملات خزاز والرَّغام ثم مالوا لبطن الحمارة ( تصحيف الحمادة) فوردت بكر قضة فسقت وأسقت ثم صدرت وحلؤوا تغلب ــ منعوها من الماء ــ ونهضوا إلى نجعة يقال لها " مُويبة" لا يجوز فيها إلا بعير بعير؛ فلحق رجل من الأوس بن تغلب بغُليَّم من بني تيم اللات بن ثعلبة يطرد ذوداً له، فطعن في بطنه بالرمح ثم رفعه فقال:
تحدَّ بي أمَّ البوِّ على بوك . فرآه عوف بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة ، فقال : انفذوا جمل أسماء . ابنته ــ فإنه أمضى جمالكم وأجودها منفذاً، فإذا نفذ تبعته النَّعمُ؛ فوثب الجمل في المويبة حتى إذا نهض على يديه وارتفعت رجلاه ضرب عرقوبيه وقطع بطان الظعينة فوقع فسد الثَّنيَّة. ثم
قال عوف :
أنا البُركُ أبرُك حيث أُدرك، فسمي البُرَك.
ووقع الناس إلى الأرض لا يرون مجازاً، وتحلقوا لتعرفهم نساؤهم .. فأسر الحارث بن عباد عدياً وهو المهلهل. بعد انهزام الناس وهو لا يعرفه، فقال : دلني على المهلهل، قال : ولي دمي؟ قال: ولك دمك؛ قال : ولي ذمتك وذمة أبيك؟ قال : نعم ذلك لك، قال : فأنا مهلهل.
قال : دلني على كفء لبُجير؛ قال : لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان، هذاك علمُه، فجز ناصيته، وقصد امرأ القيس فشد عليه فقتله.." إلى آخر الخبر ( الأغاني 5/36 ـــ42).
فقضة مورد ماء حيث قال: "فوردت بكر قضة فسقت وأسقت " .
وأن اسم هذه " الثنية" هو " المويبَّة" .
ونستفيد من كلام صاحب الأغاني أن هذا اليوم يسمىّ يوم قضَّة أو قِضَة ويوم التحالق ويوم الثَّنيَّة .
يقول البكري عن يوم الثَّنيَّة في كتابه " معجم ما استعجم" في مادة واردات وهو يعدد الحروب التي وقعت بين بكر وتغلب:
" ... والخامس: يوم قِضَة وهو يوم التحالق، و يوم الثَّنيَّة.."
وكما أن هذا اليوم يسمى بيوم الثَّنيَّة كذلك يسمى " يوم التحالق" أو " يوم تحلاق اللمم " لأن فرسان بكر اتفقوا فيما بينهم على حلق رؤوسهم وذلك حتى تعرفهم نساؤهم بعد المعركة إذا حضرن لإسعاف الجريح وسقاء العطشان.
يقول ابن عبد ربه في كتابه " العقد الفريد" :
"يوم قضة: ثم إن مهلهلاً أسرف في القتل ولم يبال بأي قبيلة من قبائل بكر أوقع؛ وكان أكثر بكر قعدت عن نصرة بني شيبان لقتلهم كليب بن وائل، وكان الحارث، ويقال إنه كان ابن أخيه؛ فلما بلغ الحارث قتله قال : نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل! وظن أن المهلهل قد أدرك به ثأر كليب وجعله كفئاً له، فقيل له : إنما قتله بشسع نعل كليب، وذلك أن المهلهل لما قتل بجيراً قال : بؤ بشسع نعل كليب، فغضب الحارث بن عباد، وكان له فرس يقال لها النعامة، فركبها وتولى أمر بكر فقاتل تغلب حتى هرب المهلهل وتفرقت قبائل تغلب فقال في ذلك الحارث بن عباد:
قرّبا مربط النعـــامة مني
لقحت حرب وائل عن حيالي
لم أكن من جناتهـــا علم الله
وإني بحرهـــا اليــــوم صالي
وكان اليوم الذي شهده الحارث بن عباد يوم " قضة" ويوم تحلاق اللمم .. وفيه أسر الحارثُ بن عباد المهلهل وهو لا يعرفه. واسمه عدي بن ربيعة. فقال له : دلني على عدي بن ربيعة وأخلي عنك. فقال له عدي : عليك العهود بذلك إن دللتك عليه؟ قال نعم.
قال : فأنا عدي؛ فجزّ ناصيته وتركه .. ثم إن المهلهل فارق قومه ونزل في جنب وجنب في مجح) إلى آخر ما قال .
وكما يسمى هذا اليوم يوم قضَّة أو قِضَة ؛ يقول ياقوت في معجمه في مادة ( قضَّة):
" ... قال الأزهري القضَّة، بكسر القاف وتشديد الضاد، الوشنُ:
قال الراجز :
معروفة قِضَّتُها رُعْنُ الهام .
والقِضًَّةُ : الأرض التي ترابها رمل، وجمعها قِضَّات ، وقال الأزهري : قال ابن دريد : قضة موضع معروف كانت فيه وقعة بين بكر وتغلب تسمى يوم قضَّة، بتشديد الضاد".
وقال ياقوت أيضاً في مادة ( قِضَة) : بكسر أوله وتخفيف ثانيه : قال صاحب كتاب العين : القِضة أرض منخفضة ترابها رمل وإلى جانبها متن مرتفع، وجمعها القِضون ، قال أبو منصور: القضة بتخفيف الضاد ليست من حدّ المضاعف ؛ لأن لامه معتلة فهو من باب قضى، وهي شجرة من شجر الحمض معروفة، وقال ابن السكيت : القضة نبات يجمع القضين والقضون ، وإذا جمعته على مثال البُرى قلت القُضى ، وأما الأرض التي ترابها رمل فهي القضَّة بالتشديد ، وجمعها قِضَّات ؛ قال أبو المنذر: قضة بكسر القاف وبعدها ضاد معجمة مخففة ، عقبةٌ بعارض اليمامة ، وعارض : جبل ، وهي من قبل مهب الشمال ، بينها وبين اليمامة وضمر ماء لبني أسد ثلاثة أيام
وأنشد غيره:
قد وقعت في قِضَّة من شــــرج
ثم استقلت مثل شِــــدقِ العلج
يصف دلواً ، والعلج الحمار الوحشي ؛ يعني الدَّلو أنها وقعت في ماء قليل على حصى في بئر فلم تمتلئ ، والماء يتحرك فيها كأنها شدق حمار.. وبقضة كانت وقعة بكر وتغلب العظمى ي مقتل كليب، والجاهلية تسميها حرب البسوس ، وفيه كان يوم التحالق فكانت الدبرة لبكر بن وائل على تغلب فتفرقوا من ذلك اليوم ..." انتهى ما قاله ياقوت باختصار .
ويقول البكري وهو يتكلم في مقدمة كتابه " معجم ما استعجم" عن مقتل " كليب " ، وتفرق ربيعة :
"... فلم تزل الحروب والوقائع تنقلهم من بلد إلى بلد، وتنفيهم من أرض إلى أرض ، وتغلب في كل ذلك ظاهرة على بكر حتى التقوا يوم قِضَةٌ : عقبة في عارض اليمامة ، وعارضُ : جبل ، وقضةُ من اليمامة على ثلاث ليال وذلك يوم التحالق ، فكانت الدائرة لبكر على بني تغلب فتفرقوا على ذلك اليوم وتلك الوقعة ، وتبددوا في البلاد ؛ أعني بن تغلب ، وانتشرت بكر بن وائل وعنزة وضُبيعة باليمامة ...".
وفي مادة " قِضة " قال :
" قِضَةُ" بكسر أوله وتخفيف ثانيه منقول مثل عِدَة . قال ابن شيبة : قضية : عقبة في عارض اليمامة ، وعارضٌ : جبل اليمامة وقضةُ من اليمامة ثلاث ليال وينسب إليها يوم من أيام البسوس ، وهو يوم التحالق " انتهى .
فقد سميَِّ هذا اليوم بيوم قضَّة أو قِضَة نسبة إلى مكان الوقعة .
ويعلق الشيخ حمد الجاسر رحمه الله محددا موقع قضة على قول ( الحازمي) عن قضة في كتاب " الأماكن" ــ ص 779 ــ حيث قال الحازمي :
" وأما الثاني بكسر القاف بعدما ضاد مخففة : ثنية لعارض جبل اليمامة من قبل مهب الشمال بينهما ثلاثة أيام ".
يقول الشيخ حمد الجاسر معلقا :
" ... ويفهم مما ذكر صاحب كتاب " بلاد العرب" ــ 260ــ أن قضة تقع في الشمال الغربي من ثنايا العارض" جبل طويق" الواقعة غرب وادي المجمعة فقال بعد ذكر وادي الكلبي وهو وادي المجمعة: ثم القلعة ثم أشي ثم قضة ثم العكرشة والجرفة إلى آخر ما ذكر، وبعض هذه المواضع لا يزال معروفاً .) انتهى .
ويقول الأستاذ عبد الله بن خميس فقال في مادة " قِضَة" من كتابه " معجم اليمامة " :
(... وهي ثنية في العارض ، واقعة بين سهل" الحمادة " وبين سُدير في بلاد " العدويّة" ولكنها الآن غير معروفة ، والأغلب أنها ثنية" المشقر" والله أعلم. انتهى كلامه.
فاجتهد ابن خميس في تحديد المكان. حيث يقصد بذلك ثنية المشقر " الأديراب الشمالي" ولكن الوصف لا ينطبق على هذا المكان .
حيث أن " قِضَّة" بالتشديد تعني نبات من الحمض تأكله الإبل، و" قِضَة" بالتخفيف فهي الأرض السهلة المنخفضة ترابها رمل وإلى جانبها متن مرتفع .
فالوصف مما سبق ينطبق على الفروثي حاليا حيث أنها تقع في فج غير نافذ من فجاج جبل العارض، ومن صدر منه يريد اعتلاء ظهر الجبل فليس له منفذ إلا ثنية لا تتسع إلا لبعير واحد عن الصعود معها.
ولقد سبق أن كتبت عن الفروثي على هذا الرابط :
رحلتي إلى الفروثي (http://www.albrari.com/vb/showthread.php?t=12211)
أما ثنية " المويبَّة" ( والله أعلم أن اسم المويبَّة أطلق عليها بعدما عقر فيها " البُرَك" جمل ابنته أسماء ليضع من معه أمام الأمر الواقع لخوض المعركة مع تغلب التي تبعتهم إلى هذا المكان ) أو" قضة " ( نسبة إلى الماء الواقع بجوارها )
فهي تقع شرق الفروثي وجنوب الطريق الذي تصعد مع السيارات حاليا فهذه الثنية يبدأ صعودها باتجاه الشرق ثم تنعطف باتجاه الشمال، وعند هذا المنعطف أُحكم بنيانها تسهيلاً لها، أما بعد انعطافها شمالاً فهي تسير مع مستوى أوجده الله في صدر الجبل لا يجد السائر معه مشقة، غير أن عرض الجادة لا يزيد على المتر الواحد في بعض أجزائها، ولأن هذه الثنية هجرت منذ ظهور السيارات وتسهيل الطريق الذي تسلكه فقد خرّبت السيول أجزاء منها .
وأخيرا :
لا أنسى أن أنوه إلى أن من أثبت ماء قضة وهذا الثنية هو الشيخ عبدالله بن محمد الشايع فجزاه الله عنا خير الجزاء .
المراجع
1 . العقد الفريد لابن عبد ربه .
2 . معجم البلدان لياقوت الحموي .
3 . معجم ما أستعجم للبكري .
4 . الأغاني للأصفهاني .
5 . الأماكن ( ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة ) للحازمي وأعده حمد الجاسر .
6 . معجم اليمامة لعبدالله بن خميس .
7 . تاج العروس للزبيدي .
8 . لسان العرب لابن منظور .
9 . وقفة في المويبَّة إحدى ثنايا عارض اليمامة لعبدالله الشايع ( مجلة الفيصل – عدد 332 ) .
إحداثيات الثنية
018 47 25
127 10 45
خريطة تبين موقع الفروثي
http://albrari.org/up/uploads/b56faa2fdd.jpg
الثنية من بعيد
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1450.jpg (http://www.lcoom.com)
أسفل الثنية
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1484.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1481.jpg (http://www.lcoom.com)
بداية الثنية من الأسفل
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1482.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1485.jpg (http://www.lcoom.com)
منعطف الثنية وقد أُحكم بنيانها تسهيلاً لها
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1491.jpg (http://www.lcoom.com)
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1492.jpg (http://www.lcoom.com)
هل في هذا المكان من هذه الثنية عقر" عوف بن مالك" جمل ابنته أسماء فسد به الثنية ؟
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1494.jpg (http://www.lcoom.com)
المنعطف من زاوية أخرى
http://www.lcoom.com/imgs/files_users/128_DSCN1477.jpg (http://www.lcoom.com)
يتبع