المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة إلى دار السلام


الشمس
2008-01-19, 11:14 PM
(( والله يدعو إلى دار السلام ))
دار السلام هي دار بناها الله بيده، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، وقال الله لها: انطقي، فقالت: قد أفلح المؤمنون.
نعم، المؤمنون المتقون يا عباد الله، (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا) ، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا).
إنها الجنة يا عبد الله، التي قال الله تعالى عنها في الحديث القدسي: ((أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)).
فما بالك ـ يا عبد الله ـ بجنة عرضها السماوات والأرض، ما بين مصراعي الباب مسيرة أربعين عامًا، وليأتين المؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا، فيها غرف يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام.
فيها شجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع مائة عام ما يقطعها، وساقها من ذهب، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، جنتان منها، فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان فيهما فاكهة ونخل ورمان، قد ذللت قطوفها تذليلاً، إن قام تناولها بيسر، وإن قعد تناولها بيسر، وإن اضطجع تناولها بيسر، كلما أخذ منها شيئًا خلفه آخر.
أيها الإخوة، يحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويساقون إلى الجنة زمرًا. لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقًا، رضي عنهم ورضوا عنه. ناداهم عز جلاله: (يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ # ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ #ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ).
أول زمرة منهم يدخلون الجنة على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دريٍّ، على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرةً وعشيًا (دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ)
يناديهم المنادي: لكم النعيم سرمدًا، تحيون ولا تموتون أبدًا، وتصحون ولا تمرضون أبدًا، تشبون ولا تهرمون أبدًا، وتنعمون ولا تبأسون أبدًا، يحل عليكم رضوان ربكم فلا يسخط أبدًا.
جنات عدن يدخلونها، غرفاتها من أصناف الجوهر كله، يرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، فيها من النعيم واللذائذ ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. اقرؤوا إن شئتم: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ) (فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ).
رياضها مجمع المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، وخيامها اللؤلؤية على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، عرش الرحمن سقفها، والمسك والزعفران تربتها، اللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لبناتها: (غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ). عاليات الدرجات في عاليات المقامات، بهيجة المتاع، قصر مشيد وأنوار تتلألأ، وسندس وإستبرق، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، هم فيها على الأرائك متكؤُن. ظلها ممدود، وطيرها غير محدود، فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. قطوفها دانية للآكلين، وطعمها لذة للطاعمين. قد ذللت قطوفها تذليلاً.
نعيم البدن بالجنان والأنهار والثمار. ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ونعيم القلب وقرة العين بالخلود والدوام، عيش ونعيم أبد الآباد، عطاء من ربك غير مجذوذ.
فيها أزواج مطهرة، خيرات حسان الوجوه، جمعن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه. في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، تقصر عن حسنهن عيون الواصفين (عُرُباً أَتْرَاباً # لاِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ)لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الارض والسماء ريحًا وعطرًا وشذًى، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء. حور عين راضيات لا يسخطن أبدًا، ناعمات لا يبأسن أبدًا، وخالدات لا يزلن أبدًا.
أصحاب الجنة يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، ويحلون من أساور من ذهب ولؤلؤًا، (وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) ، (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ) ، (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ).
يجتمعون في ظلها الظليل يتنازعون فيها كؤوس الرحيق المختوم والتسنيم والسلسبيل، تتوالى عليهم المسرات والخيرات والإحسان والمكرمات.
نزع من قلوبهم الغل وطرد عنهم الحزن والهم: (وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ #ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)، (لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً #إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً)
هدوء ورضًا يغمره السلام والاطمئنان، والود والأمان، يبلغهم ربهمي السلام: (سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ). والملائكة يدخلون عليهم من كل باب بالسلام:(سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ). وخزنة الجنة يحيونهم بالسلام: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ).
في جنات عدن يأتلفُ شملهم مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم: (جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ) (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ) وفي جو التجمع والتلاقي تنادي الملائكة بالتكريم والترحيب: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
وهل ترى نعيمًا – يا عبد الله – فوق هذا النعيم ؟!
نعم لقد بقي بعد الحسنى الزيادة؛ فهذا هو يوم المزيد فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم: (أي يطلب زيارتكم) فحي على الزيارة فينهضون إلى الزيارة مبادرين؛ فإذا بالنجائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح نصبت لهم منابر من نور ولؤلؤ وزبرجد وجلسوا على كثبان المسك ؛ ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة: سلام عليكم (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ).
يا أهل الجنة هذا يوم المزيد؛ ثم يكشف الرب الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم.
فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى الوجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ #إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ #وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ #تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)
أيها الإخوة، هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة: (كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ #وَبِٱلاْسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ #وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل، ويقاتلون وغيرهم يتقاعس ويجبن.
أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله، ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون ،وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا سرًا وعلانية في السراء والضراء، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. لأماناتهم وعهدهم راعون. طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، واستعدوا من الزاد بما يكفي لطويل السفر، عثراتهم تجري وفي قلوبهم معبر، كثر استغفارهم فحطت خطاياهم، وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم، (إنهم عباد الله المخلَصون)، فيهم الشهيد المحتسب والعفيف المتعفف، والسلطان المقسط، والضعيف المتضعف المتواضع ذو الطمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره
أقوام يقطرون نزاهة ،أفئدتهم مثل أفئدة الطير ،فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي، فيهم تارك المراء ولو كان محقـًا، وتارك الكذب ولو كان مازحًا، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه، يكظم الغيظ ويعفو عن الناس والله يحب المحسنين. فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. جنة ربي لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بكل قلب منيب. عيون تبكي من خشية الله، وعيون تحرس في سبيل الله، يخافون من ربهم يومًا عبوسًا قمطريرًا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرًة وسرورًا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا.
الله أكبر أهل الجنان والغرفات أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: (وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ألا هل من مشمر إلى الجنة – يا عباد الله – قولوا كما قال أصحاب رسول الله : نحن المشمرون إن شاء الله.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل.
اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، استجب اللهم يا رب العالمين. جعلني الله وإياكم من أهلها ..فالعمل العمل .

التميمي
2008-01-19, 11:19 PM
جزاك الله خير والله يكتب اجرك اخوي الشمس ويجمعنا واياكم في الفردوس الاعلى من الجنة

Abu Saleh
2008-01-20, 12:47 AM
جزاك الله الف خير

على الموضوع الرائع

والله يجمعنا واياكم في الفردوس الاعلى من الجنة

الشمس
2008-01-20, 11:07 AM
الأخوة : التميمي , AbuSaleh

أشكركم على مروركم وأسأله أن يجعلني وأياكم من أهلها ومن نحب .

مالك بدر
2008-01-22, 09:52 AM
جزيت خيراً بهذا التذكير

وجعله في موزازين اعمالك

مشكور اخوي الشمس وتقبل مروري

عنيزاوي
2008-01-23, 04:48 PM
جزاك الله الف خير

على الموضوع الرائع

ذهول العاصفة
2008-01-28, 02:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اخي الكريم
الشمس
جـــــــــزاكــــ الله كــــــــــــل خيـــــــــــر
في انتظار جديدكــ

اتمنى لك التوفيق ولك منى
اطيب الاحترام والتقدير

!!!اخـــــــــوكـــــــــــ ذهـــــــــــول العاصفة ــــــــ!!!

لا اله الاانت سبحانك اني كنت من الظالمين

القلم الساحر
2008-01-28, 07:20 PM
الله يجزاك خير على الموضوع المتميز والمفيد...

تسلم يمينك يالغالي.

خالد الشمري
2008-04-08, 04:59 AM
بارك الله فيك

عبدالهادي المفرج التميمي
2008-04-08, 05:48 AM
جزااااااااااك الله خير
والله يجمعنا واياكم في دار عرضها السموااات والارض
مشكوووووووووور



سلام عليكم

عاشق ديرتي
2008-04-08, 09:45 AM
الله يعطيك العافيه على الشرح الرائع